• ×
الجمعة 17 شوال 1445 | منذ 3 يوم

الأعضاء

الأعضاء:8

الأعضاء الفعالون: 1

انضم حديثًا: هيمو

المتواجدون الآن: 34

أكثر تواجد للأعضاء كان 377 ، يوم 44-05-13 الساعة 12:37 صباحاً

( 1 عضو 33 زائر )

سرير بروكرست

رؤية انطباعة عن رواية " مقتل دميه "

رؤية انطباعة عن رواية " مقتل دميه "
https://www.adab.com/post/view_post/80297

" سرير بروكرست" , رؤية انطباعة عن رواية "مقتل دمي
Jul 21, 2022 03:24 PM
" سرير بروكرست" , رؤية انطباعة عن رواية "مقتل دميه"
للروائي : حامد أحمد الشريف
الصادرة عن *دار غراب للنشر و التوزيع 2020
====
على قناعة بأن النقد مهنة لها أهلها, صنعة يجيدها أصحابها, بالتالي لا تتقيد رؤيتي حول رواية " مقتل دمية" هنا بنظرية أو منهج نقدي محدد.
أبدأ بالقول بأن" العقل" أو " الوعي" هو المنحة الإلهية أو السر الغامض المودع في بني آدم, كما أنه منحة فهو بمرور الوقت يصبح محنة على بعض أصحابه إن لم يكن على كل البشر.
" الوعي" في أبسط تعريف له, هو الدراية بالوجود الداخلي و الخارجي, وهو أيضًا جوهر الإنسان وخاصيته التي تميزّه عن باقي الكائنات الحيّة الأخرى، إذ إنّ الوعي يصاحب كل أفكار الإنسان وسلوكه، وهو ما يطلق عليه اسم (الوعي التلقائي)
كما أنه ) أي الوعي ) يرتبطٌ بمجموعة الأحاسيس والمشاعر التي تكمن في أعماق الذات وهذا ما يطلق عليه (وعي سيكولوجي)، وقد يظهر في الحياة العمليّة الذي يتجسد على شكل وعي سياسي أو أخلاقي أو ديني.
غير أن الإنسان تتنازعه صفتان أو تركيبتان, الطينية التي خُلق منها, الروحية ,التي هي النفخة الإلهية التي تميّزه عن باقي الكائنات الحية الأخرى, فيتغلب بعد فترة تكوينه الطيني في صورة قالب معرفي محدد الأبعاد, يضع فيه رؤيته الواعية لما حوله, يقيس عليها كافة أشكال الوعي الأخرى. بخاصة الدينية منها.
القصد من الدين هنا, هي تلك الممارسات الحياتية التي تقع في المسافة الفاصلة بين التأويل البشري للنص المقدس و التطبيق العملي له, وكلاهما كما قلنا فعل بشري صرف, فيطوّع الفرد تأويله بما يحقق مصلحته أو وعيه الذاتي فقط. لعل تلك هي أخطر مأساة يواجهها البشر جرّاء استغلال الوعي بصورة مباشرة.
حتى لا يتوه السامع منّي بين أودية و شعاب حديثي , فإنني أعيد تلخيص فكرتي عن راوية " مقتل دمية " على النحو الآتي:
" مقتل دميه", رواية تتلاعب بالقارئ كثيرًا, فهي تأخذه لمرتفع عال أقرب لقمة جبل, تُرهقه من أمره, تحمل بين صفحاتها الكثيرة قدرًا لا بأس به من الإثارة و التشويق حتى تظنّها من أول وهلة أنها رواية بوليسية تبحث في جريمة قتل, غير أنك عندما تغوص فيها حتى أذنيك, تجدك تنفصل عن عالمك, تلامس برفق جانبًا " رومانسيًا" صيغ بحرفية, تتماس بشدة مع أدب *" احسان عبد القدوس" فغيره و حتى وقوع " مقتل دمية" في يدي, لم أجد من يكتب عن دخائل المرأة و صراعاتها النفسية كما فعل " احسان".
غير أن " مقتل دمية" تتقاطع فيها خطوط درامية سردية كثيرة, ما بين العاطفة المتصاعدة بنفسِ الراوية (سارة , البطلة الرئيس في الرواية). رؤيتها للبيئة الجديدة( سويسرا) . مقارنتها المستمرة الداخلية بين بيئتها الصحراوية القاسية والأوروبية الهادئة. الكوابيس اليومية. تأرجحها بين الشك و اليقين عن الدمية التي تزورها في أحلامها, هل هي فتاة قتلت حقيقة غيلة وغدرًا ؟ هل هي ابنة الخادمة ؟ ما علاقة الدمية بالقبر, التابوت؟ لمَ إصرار " الدمية" أن تأتي كل ليلة للراوية في نومها لتجذبها من يدها, تأخذها لأطراف البلدة حتى المقابل, لترى قبرًا مفتوحة فوهته كأنما تنتظر ضيفًا جديدًا؟!
فتندفع " سارة" خلف الكابوس, محاولة منها لإماطة اللثام عن جريمة أيقنت بوقوعها وإن ساورتها الظنون حول الفاعل و الأسباب !
ثم يرتد بنا الكاتب من خلال الراوية( سارة) لماض قريب, فنرى علاقات أسريّة جافة, لا تقيم أهمية لمشاعر الأنثى, فالأب وحتى رحيله لا تتذكر البطلة أنه احتضنها مرة واحدة أو ربت على كتفيها, وإن رأت في عينيه أكثر من هذا!, هي مشاعر قد تتوهج في الأعين لوقت قصير لكنها سرعان ما تخبو و تنطفئ بتأثير الموروث السائد عن المرأة أو الأنثى على وجه العموم.
الأخ " قاسم" كبير العائلة بعد رحيل الأب, المهيمن على الثروة, المسيطر على أمه, غليظ القلب, الذي لا يتورع عن حرمان اخته من معظم نصيبها في الإرث بدعاوي كثيرة وتحت مبررات لا علاقة لها بصحيح الدين.
كأن الكاتب على لسان " الرواية", يقول لنا أن الموضوع لا يتجاوز تطبيق شخصي للدين, ذلك ما أثار بنفسية الراوية نزعة التمرّد على ممارسات رأتها خطأ, لذا لا غرابة أن تنزع نقابها في بيئتها الجديدة, أن تتمرد على موروث ثقافي مقيت يحرص المجتمع التقليدي الصحراوي على وجوده, ذك ما أوصلها إليه وعيها بوجودها, إطار ضيق حصرت نفسها فيه كأنما هربت من إطار نفسي لآخر .
======
احترت بعد القراءة الأولى لهذه الرواية التي تقع في مائتين وست وخمسين صفحة,في تصنيف وتتبع الخط الدرامي الرئيس بها, لذلك عزمت على قراءتها لمرة ثانية, فلمّا انتهيت قمت بتقسيمها إلى نصفين غير متساويين, القسم الأول قرابة 252 صفحة, الصفحات الأربعة الباقية هي النصف الآخر.
الرواية في مجملها وبعيدًا عن المسارات السردية الكثيرة و المتشعبة, التي في كثير منها تتضمن اسهابًا كبيرًا غير أنه اسهاب شبه مقبول يحرّك شغف القارئ, يبتعد به عن جانب الملل, يقترب إلى حد ما من " تكنيك" الراحل د أحمد خالد توفيق.
وجدت أن " مقتل دمية", تتماس مع أسطورة اغريقية قديمة. أعني اسطورة " بروكست
". تلك التي تتناول حياة حداد قوي البنية, هوايته الوحيدة أن يستضيف الغرباء ليلًا, يُحسن وفادتهم بطعام و شراب حتى يأتي موعد النوم فيصحبهم إلى سرير من الحديد, صنعه بمقاييس محددة, كان لديه قدرة غريبة على اقناع ضحيته بأن السرير يتكيّف مع طول النائم فيه.
على رغم غرابة الفكرة, إلاّ أن الضيف تحت وطأة الطعام و السهر, يوافق برحابة صدر, يتمدد على السرير, في تلك اللحظة يُحكم " بروكست," وثاق ضحيته بالسرير, ثم يقيس طوله فإن كان الضحية أطول من السرير قام ببتر الزائد من أطرافه بالفأس, وإن كان أقصر, قام الحداد بمط ساقيه بشدة حتى تتمزق. الفكرة أن يتفق طول الضحية مع السرير, السرير ثابت, ينبغي أن تتفق مقاسات الضحية معه.
" سرير" بروكرست" هو القالب الفكري الذي نصنعه لأنفسنا و نختفي بداخله, نرفض أية تجديدات أو أية أفكار مخالفة, هو التابوت أو القبر التي تراه الراوية في حلمها أو في كابوسها كل ليلة منذ أن فتحت لها " الكسندرا" الصندوق في غرفتها لترى العروس الخشبية للمرة الأولى .
لعل الكاتب من خلال " مقتل دمية " يقول لنا ما يقول علماء النفس من قبل, أن لكل منّا سريره " البروكرستي", يقيس عليه مستوى وعيه الآني, ينفي عنه أو يحذف ما لا يوافق هواه الإدراكي, حتى أن الدين نفسه( ممارسات بشرية ) لم يسلم من النزعة البروكرستية, فرؤية" قاسم" للدين أسيرة لسرير أو تابوت "بروكرستي" لا يحيد عنه و يدافع عنه بكل حماس, لا يجد غضاضة في الجمع بين أشكال من الوعي , وعيه هو بالدين كما يراه وكنا يحقق له نهب إرث أخته, وعيه للمجتمع من حوله .
حتى الراوية نفسها أسيرة هذا السرير والذي أطلقت عليه بعفوية مسمى القبر أو التابوت, بالرجوع للنص , بصفحة 61, نقرأ على لسان الراوية: ( المُضحك هو ممارستي الآن ما كنت أُنكره!, أجدني متعلقة بالرؤى أتعاطى معها وكأنها حقيقة)
كما تتحدث عن أمها في ذات الصفحة فتقول: ( في الواقع لم تكن أمي تُكثر الكلام . حديث أغلبه دعاء وأمثال شعبية فتتعمد إغلاق أحاديثها معي بهذه الطريقة... كنت أشفق عليها لحشرها نفسها داخل هذا الصندوق وإغلاقه باحكام, حتى استحال عليها خروجها منه)
هكذا وضعت الراوية يدها برفق على سبب أزمتها, معضلة أخيها وأسرتها ومجتمعها كله. هو ذلك الصندوق أو السرير البروكرستي, ما نقبله بوعينا ولا نرغب في تجاوزه و سنقاتل دونه.
الجزء الأول من الرواية حتى صفحة 252, يتصاعد بشدة في اتجاه يأخذنا الكاتب من خلال راويته لنقاط صراع متشعبة, كأنما يريد أن يهز رؤسنا, يضربها في الحائط بشدة كي ننفض عنها أي وعي مسبق متجذر بها, لعلي رأيته يقول" الوعي المتجذر البروكرستي, أقرب لمسمارِ من الصلب, ينغرز حتى رأسه في حائط قديم مصنوع من دم ولحم هو الإنسان, دوري أن أخبط برفق خبطات على جوانب المسمار, حتى يتلخلخ في مكانه, ليس دوري أن أنزعه, فتلك مَهَمَة لها أهلها, لكن دوري أن أحرّك المطمور من الوعي لديكم فلربما تتخلّق بدواخلكم أسرّة "بروكرستية" بأبعاد واسعة رحبة, تقبل بداخلها أشكال أخرى من الوعي ترفضونها الآن.
الجزء الأخير من الرواية ويقع في قرابة أربعة صفحات , هو الخاتمة المريعة التي رأيتها في أول قراءة أنها ـأضعف ما جاء بالعمل, غير أنني حينما قرأتها للمرة الثانية, ايقنت أن الكاتب مراوغ كثعلب كبير, لم يفرض بروكرستيتهُ علينا , كما أدرك أن تغيير الواقع بالصورة الخيالية أمر مستبعد, فما ظل متجذر بالتربة لعقود طويلة لا يمكن تغييره بيوم وليله .
لذا لا غرابة أن تحمل "الراوية" أوراق رسمها وفرشاتها وألوانها وترجع من حيث أتت, تعطي الحضارة الأوروبية ظهرها وتوليّ وجهها شطر صحراء مترامية الأطراف تحمل من التوجس و المخاوف فوق ما لا يتخيلّه أحد.
لتقول لنا في صفحة " 93" ( أيمكن التنازل ببساطة عمّا جُبل عليه الإنسان)
وتقول في صفحة " 200" ( في الواقع لم أعد أفهم شيئًا ممّا يدور حولي .ظننتُ" الكسندرا" قاتلة فإذا بها تموت في فراشها, وهي تحتضن من اعتقدت أنّها ضحيّتها, شككت أن " برنارد" مجرم يخطّط للاستيلاء على مالي,وربما اغتصابي و قتلي , فإذا بي أتأكد أنه أطيب من الريح المرسلة, لا يسعه قتل عصفور)
كأنما هي تجربة خاضتها البطلة الرئيس في الرواية, للخروج من صندوق أو تابوت أو قبر أو سرير بروكستي, استمرت فترة غير أن طبيعتها تغلّبت عليها, عادت لأهلها وبلدها حاملة " بروكرستيتها" على عاتقها.
في النهاية تلخّص "سارة" حكايتها كلها في العبارة التالية التي وردت على لسانها( عجيب حالنا نحن البشر, نشتكي ظروفًا نصنعها بأيدينا نقويّها بضعفنا وتردّدنا. وإذا ما أوشكت أن تقضي علينا استنكرنا فعلها بلساننا رغم استسلامنا لها بكل جوارحنا)
بواسطة : admin
 0  0  88
جميع الأوقات بتوقيت جرينتش +3 ساعات. الوقت الآن هو 12:09 مساءً الجمعة 17 شوال 1445.
Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

الحقوق محفوظة @ hopish.net